لطالما تفاديت الحديث مع صديقتي الإفتراضية (س. ب) عن الرجل، وكثيرا ماكنت أغير الموضوع حين يدخل فيه اسم رجل من دون أن تلقي بالا؛ فقط كي لا أجرحها بكلامي فلكل واحدة منا فكرتها ومنطقها وقناعاتها الخاصة التي رسخها فيها مجتمعها بمجرد ولادتها والتي شهدتها منذ أن فتحت عينيها على الدنيا، فهي ترى في الرجل قاهرها الأوحد ولو أنها واجهت ديناصورا أو أسدا لتغلبت عليه ولكنها لا تستطيع فعل ذلك مع الديناصور البشري القاهر لأبناء جلدته... وأنا أرى الرجل ضرورة لا غنى للمرأة عنها، أحترمه لأنه الرسول المصطفى والصحابي الجليل... هو كذلك الأب والأخ والزوج والأستاذ والصديق...
مثل هذه القناعات لاتغيرها كلمات فقد حفرت في القلب والعقل معانيها لأن ماعشناه وشهدناه من الصعب أن تغيره بضعة أقوال ننطقها على المسامع؛ كي نبدل نظرتنا سلبية أو إيجابية كانت يجب أن نعيش الوضع أو نقيضه...
قبل حوالي يومين طرحت على السؤال التالي: ماذا ستفعلين لو أتيحت لك فرصة حكم العالم لأربع وعشرين ساعة؟
بدون أن أفكر أجبتها أنني سأحاول مساعدة المحتاجين سواء الفقراء أو المرضى فلا شئ يقهرني أكثر من رؤية طفل يصرخ جوعا وعجوز يمشي مقوس الظهر سائلا الناس رغيفا لأنه لا يجد مايسد به رمقه... كان جوابي تقليديا جدا ولكن هذا ما أحسسته فعلا...
صمتنا لهنيهة وأعدت طرح السؤال عليها... كانت إجابتها غير متوقعة وصادمة: " سأفرض حظر التجول على الرجال جميعا وأعطي للنساء فرصة العيش ليوم واحد فقط "
وضعت يدي على رأسي وقلت في نفسي: ألهذه الدرجة؟!
فجاءت إجابتها وكأن استفهامي قد وصلها
ـ لا تستطيعين أن تتصوري أن المرأة هنا تشتاق للجلوس أمام البحر والتأمل فيه لدقائق ولا تستطيع!
ـ لن تتخيلي أنها تريد فقط حقوقها الطبيعية في الحرية فلا تصلها؛ أنا مثلا كنت أحلم أن أصبح طبيبة فوصلت البكالوريا بمشقة الأنفس!
ـ المرأة هنا تُتَّخدُ زوجة فقط كي تطبخ وتنظف المنزل وتنجب الأطفال!
ـ ليس من حقها الزواج بغير ابن مدينتها وأغبلهن ترفضن الزواج من ابن المدينة لأنهن تعرفن مصيرهن بعد الزواج به؛ فهن لن تحظين بحريتهن أبدا وسيستمر الإضطهاد إلى ما لانهاية!
ـ نحن نساء شريفات عفيفات؛ لا نبحث عن الإنحلال ولا عن المساواة مع الرجل، نريد فقط أن نعيش محترمات... أن يوثق فينا وأن نعيش كباقي نساء العالم.
...
هنا قاطعها سؤالي: " هل رجال مدينتكم متدينون؟ هل يعتبرون ما يفعلونه تدينا؟؟ "
ردت علي أنه لا علاقة لهم بالتدين إلا من رحم الله، الرجل هناك يمضي ثلاثة أرباع يومه جالسا في المقهى خانقا الجريدة بين يديه وكأنه يقول للمارين به أنظروا " أنا مثقف " وحين يرجع للبيت يلطخ وجهها بوحل حذائه...
من سابع المستحيلات أن يركب في المقاعد الخلفية لسيارة الأجرة وإن لم يحظ بالمقعد الأمامي فطي الطريق جريا أرحم بالنسبة له!
...
وحقائق كثيرة أخرى يلزمني من الوقت الكثير كي أسردها.
ما حكته لي هذه الصديقة واقع صدمني، لم أكن أعرف أن هذه الأشياء لازالت تحدث هنا في بعض المدن المغربية، كنت أظن أننا تخطينا هذا الجهل وأن المرأة تستطيع أن تأخد حقها بيدها... هناك لا تستطيع فعل ذلك لأنه لا حول ولا قوة لها وإن تحدثت عن حقها فهي جاحدة لا تقدر النعمة!
نعم، لا أنكر أن بعض العائلات هناك قد خرجت من تلك القوقعة وتحررت من تلك المبادئ الكريهة وفكت عنها قيود الجاهلية... ولكن ما هي إلا استثناءات خرقت القاعدة!
بداخلي أسئلة عدة تتضارب بقوة:
ـ إلى متى ستستمر هذه القيود في الإلتفاف حول رقاب هؤلاء النساء؟
ـ كيف يجرأ هؤلاء الرجال على المطالبة بديمقراطية الحكم وهم الديكتاتورية بعينها؟
ـ متى سيستفيقون ويدركون أن المرأة نصفهم الثاني وأنهم خلقوا ليكملوا بعضهم لا ليصارع بعضهم بعضا؟