الأحد، 8 أغسطس 2010

بعد فوات الأوان

لم يستح من نفسه يوما وهو يشهد زورا مرارا وتكرارا ويزج بيديه المتسختين اتساخ قلبه أبرياء في غيابات السجن المعتم ويبرئ المجرم ليعيده بنفس اليدين إلى عالم الغاب هذا الذي تسيطر عليه لغة الأنا ويسود فيه القوي ويهزم فيه الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.
لم يسأل نفسه يوما وهو يقسم أنه قائل الحق ماذا سيقول للحق سبحانه عند وقوفه بين يديه، لم يتخيل وحشة القبر ولا ظلمته وضيقه...
لم يرف له جفن وهو يحطم بكل ما أوتي من قوة بيوتا ويهدم علاقات ويهد ما قد كلف عمرا لبنائه مقابل أبخس الأثمان.
كان كل همه أن لا يكشف أمره والله ناظر إليه من فوق سبع سماوات، لطالما كان شيطانه المزين له سوء عمله صديقه ورفيق دربه.
في تلك الليلة المنيرة، جفا الكرى فراشه فقد أهلكه التفكير في طريقة تجعل القاضي الذي أدلى بشهادته أمامه أكثر من مرة لا يتعرف عليه.
فجأة سمع مناديا من بعيد:ـ هي أنت أنت.
ـ من؟ أنا؟
ـ أجل أنت.
ـ ولكنني لا أراك، أنت من أطفأ النور؟ لم؟!
ـ هكذا سيكون لحدك.
ـ أنر المكان لا أستطيع تحمل هذا السواد!
أنير المكان من جديد ليجد نفسه وسط حشد من الناس، الكل يصرخ صراخا يصم الآذان.
ـ من أنتم؟ ماذا تريدون مني؟ لماذا تحيطون بي؟
بدأ يتذكر تلك الوجوه ويلطم وجهه والحسرة تملأ قلبه، كيف السبيل إلى الخلاص من هذه النظرات الجائعة التي ترمقني بكل شراسة؟ أين طريق العودة؟
ـ أنا أذلك على السبيل لكن بشرط : أن تحرر كل هؤلاء، بمقدورك فعل ذلك؟
ـ كيف ذلك؟ أعني! كيف لي؟ كيف لي؟ كيف لي؟
ظل يصرخ مرددا هاتين الكلمتين إلى أن فتح عينيه لاهثا، سارع لإشعال نور الغرفة ولكن أين هو النور، أطفأه وأعاد إشعاله، وكرر العملية مرارا ليكتشف أخيرا أن نور المكان سليم وأن العلة في نور عينيه الذي انطفأ إلى الأبد.
ظل على هذا الحال هائما على وجهه شهرا كاملا إلى أن قبضت روحه والحسرة تملأ قلبه.
فهل سيقبله التراب؟ وهل سترضى الأرض الطيبة احتواءه؟ وهل سيتلذد الدود بأكل لحمه المر؟

هناك 8 تعليقات:

  1. طريق التوبة بيّن يا يسرا .. كان يجب ان يتعجل في البحث عنها بدل التفكير في كيف ومتى وووو حتى وافته المنية
    تدوينة اعجبتني لان الغموض كنفها وجعلها رائعة

    يسرا اعلمي شيئا . انت لست الافضل ^^
    سلام

    ردحذف
  2. اسئلتك لا يعرف اجابتها الا الله عز وجل
    رائع أسلوبك الجميل
    كنت هنا
    سلامووووو

    ردحذف
  3. رائعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. تبارك الله عليك وخلاص اختي يسرى..

    وأدعوك لزيارة هذا العمل.. ولاحظي العنوان ههههههه


    http://sohba-liberter.blogspot.com/2010/04/blog-post_25.html

    ردحذف
  4. تصفيق حار ليسرى على هذه القصة
    سرد جميل وطريقة رائعة لتوصيل فكرة مهمة.

    ردحذف
  5. نبيل الجند

    ان الله غفور رحيم ورحمة الله وسعة كل شيى

    ردحذف
  6. * كانت حكمة الله عز و جل أن يحل به العذاب في الدنيا قبل الآخرة .. لم يدرك أن البارئ جل و علا منحه فرصة أخيرة للتوبة أضاعها في متاهة الأسئلة ..

    * تروقني النصوص التي ترتكز على الحوار مع الذات، فأكثر اللحظات التي يكون فيها الإنسان صادقا هي تلك التي يختلي فيها مع نفسه يحاورها و تجيبه ..
    أسلوبك هادئ جدا أختي ، راقني فعلا

    سرني التواجد هنا

    ردحذف
  7. تدوينة أعجبتني
    تقبلي مروري

    ردحذف