الجمعة، 22 أبريل 2011

المظاهر تخدع




بالجوار، كانت هناك بناية تناطح السحاب، قديمة متهالكة آيلة للسقوط، متشققة الجدران، متصدعة الأركان والزوايا وضع عليها الزمن بصماته المأساوية...
قبل سنتين رمم أصحابها ما أمكنهم ترميمه وأعادوا طلاءها من الداخل والخارج، غيروا أبوابها ونوافذها، أخفوا كل الشقوق التي كانت بادية على الجدران وستروا كل العيوب البادية للعيان، علقوا أعلى الباب الرئيسي لافتة تلفت الأنظار عليها اسم " جنة " ، نظفوا مدخلها وعلقوا على جنباته اللوحات والمرايا البديعة الأخاذة للأنظار، نقشوا أسقفها بنقش عريق ساحر للنفوس وعرضوها للبيع بأبخس الأثمان!
 
تهافت عليها السماسرة من كل صوب وحدب وتقاطر عليها الراغبون في الامتلاك من كل اتجاه، نالت الإعجاب والقبول، لم يبدو الاستغراب باديا على الوجوه وهي تدفع الثمن الهزيل من أجل الفوز بشقة الأحلام... تراضت الأطراف وَوُقِّعت العقود وأخذت الأفرشة أمكنتها وامتلأت البيوت بصخب الأطفال اللذيذ وملأت رائحة الطبيخ كل الأرجاء و نشرت على السطح الملابس في حرية...
 
بعد نصف سنة من الإعمار أصبحت النتانة تفوح من كل الأرجاء فسعوا لإصلاح بعض الأعطاب البادية لكن لم ينفع معها تصليح ولا إخفاء، تقشر الطلاء من على الجدران فبدت الشقوق المخفية هناك منذ زمن بعيد، حاولوا الترميم لكن دون جدوى فسرعان ما تعود للظهور من جديد، صبروا على الكارثة طويلا لكن نفد الصبر فاتجهوا للمحاكم مطالبين بحقوقهم، استغرب الكل، فأي حقوق يتحدثون عنها ويطالبون بها؟؟؟ جاءهم الرد ببساطة أن "القانون لا يحمي المغفلين."
نعم كانوا مغفلين حين غرتهم المظاهر الخدَّاعة وأعمى عيونهم بريق زائف لم يبحثوا عن الباطن كل ما شغل تفكيرهم هو بخاسة الثمن أمام العرض المغري في نظرهم، لم يفكروا أن ما رخص ثمنه رخص محتواه
 
استمروا على تلك الحالة وأصموا آذانهم عن التحذيرات التي وجهت إليهم من أجل إخلاء المكان لأنهم سيخسرون ذواتهم بعد ضياع أموالهم إلى أن انهارت فوق رؤوسهم ذات ليلة.

هناك 8 تعليقات:

  1. ذكرتني في صف المنازل المأهول امام منزلنا
    المنازل مبنية ويقطنها اصحابها منذ مدة طويلة
    الحقيقة انها مبنية من خيال ،لا اوراق لا ملكية
    يعيشون الى ان تكتشفهم البلدية
    لقد خدعو من زماااان

    مثل ما حدث لهذا الاهل


    سلام

    ردحذف
  2. السلام عليكم
    لقد لمست عطب خطير فى ضمير الناس والبشر
    برغم الثورات والاعتراضات التى نقوم بها فى بلادنا لتغيير الانظمة والحكومات
    الا انه سيظل هناك مبادىء وتصرفات يجب ان تعدل وتتبدل فينا نحن
    هذه رواية تحدث فى كل مكان للاسف بسبب ضياع الضمائر والغفلة عن الحقوق للبشر والحياة

    مشكورة حبيبتى
    دمت بود

    ردحذف
  3. للأسف هي حالة تتكرر في الواقع

    ردحذف
  4. سعدت بقراءتي وبمروري بمدونتك لاول مرة ..

    المشكلة انه نفوس بعض البشر أصبحت مثل هذه الابنية .. مظاهر خداعة ونفوس عفنة من الداخل .. أبعد الله شرهم عنا..

    دمتي اختي بكل خير

    ردحذف
  5. يقول المثل
    الكبير في الڭرڭاع خاوي
    والزين في الدفلة وعروقها حارين
    واللي تبع المظاهر، مشا فيها

    هذا ماكان

    ردحذف
  6. إذن -وحسب فهمي المتواضع- لا بد من تغيير العقليات و الثورة على الجهل و العار و الماضي البئيس قبل تغيير الأنظمة و الحكومات و الثورة عليها.

    ردحذف
  7. ذكرني هذا الموضوع بمباني بلدي الذي نسمع في كل مرة أن أرواحا ذهبت ضحية انهيار

    إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

    سلامي لشخصك الكريم

    ردحذف