الاثنين، 14 مارس 2011

إغتراب داخلي


سرح بنظره بعيدا، فاغرورقت مقلتيه فسقطت منهما بعض عبرات حنين واشتياق وقهر واحتراق، أحس بحرارتها على خديه وبرعشة تتملكه من أخمص قدميه اللتان أنهكتهما الطريق القاسية والأشواك المستهدفة لسبيله الذي أبى أن ينتهي والذي يبدو أنه يستسلم الآن ليفتح بداخله جروحا خفية كان قد ظن أنه بقوته تخلص من ألمها الذي لازمه طويلا، تأكد اليوم أنه لم يكن قويا كفاية ليتخلص للأبد من قلبه الذي آلمه طويلا وجوده بين جنبيه، لا لم يتخلص منه، إنه لازال ينبض رغم كل الضغوطات والتعذيب الذي مارسه عليه لسنوات طويلة، هاهو ذا يتحرك وينبض من جديد بالحياة.
جاب بنظره يمنة ويسرة، حاول أن يكف دمعه لكنه كان عاجزا عن ذلك كانت يداه ترتعشان وبالكاد يقف على رجليه اللتان لم تعودان تقويان على حمله فجثى على ركبتيه ووضع يديه على وجهه وأجهش ببكاء مرير، تمنى لحظتها أن يظهر ولو طيف من بعيد لينتشله من متاهة لم يعد يعرف مخرجها...
وقف من جديد، وقرر التقدم للأمام، لا يهم إلى اليمين أم اليسار، المهم أن لا يتراجع للوراء فهو الآن عائد إلى مكانه المناسب، الذي لم يعد يصلح له أن يكون بغيره، مكانه الذي أخد منه وقتا طويلا في محاولة فاشلة لنسيانه الي أن جرته إليه قدميه اليوم جرا بعد أن تقطعت به السبل.
إستفاق من توهانه الطويل لينتبه وهو ينتقل بين جنبات المكان أنه لم يعد هو نفسه، فقدْ فقدَ سحره وبهاءه، فقد رائحته وحنانه... لم يعد يعرف به أحد ولم يعرفه أحد، تمر بجانبه أشباح كأشباح السكينة، الكل صامت ومتجه للأمام، لا ضجيج أطفال، لا صخب قهقهات شيوخ، لا أحد يسلم ولا الآخر يرد، صمت رهيب تغرق فيه القرية التي أمضى فيها طفولته، بات المكان بعينيه جحيما، أحس بالمرار وتراجع القهقرى وهو لا يدري ما هو فاعل أيكمل الطريق أم يعود من حيث أتى.
كان له أمل في وطن صغير يحتويه لكنه الآن لا أمل ولارجاء له إلا في وحدة كريهة يمقتها مقته لتواجده!



هناك 11 تعليقًا:

  1. ما اقساه من احساس وما اجمل وصفك له لكن اعادة الوقوف وقرار التحرك في اي اتجاه
    فقط ان لا يكون عودة للوراء هوقرار صائب
    ابدعت اميرتي

    ردحذف
  2. يبدو تقريبا متفقان دون ان ندري في تدوينتينا الاخيرتين ^^

    ففي تدوينة دعوت الناس للوحدة مزاحا مني لكن هناك من يدعوا للوحدة وهناك من يجد نفسه فيها ولا يستطيع الخروج من اغترتابه النفسي

    تدوينة جمعت رومانسية الشجن ،وحزن عميق ملأ التدوينة يا يسرا

    دمت بود سلام

    ردحذف
  3. تعجبني طريقتك في الكتابة أيتها العزيزة...
    أعجبتني النهاية، آخر ثلاث كلمات تحديدا

    ردحذف
  4. اشتقت لكلماتك يسرى
    اشتقت ليسرى

    ردحذف
  5. حاول العودة إلى نمط حياة سابقة وفشل..إنها غربة قاسية.

    كنت هنا يسرى

    ردحذف
  6. جميلة هي كلماتك و يسيرة كما أنت يا يسرى

    ردحذف
  7. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  8. قصة جميلة ذات ملامح غير غريبة .. وكلمات منتقية بمنتهى الدقة .. يبدو أن حمى القصة الصغيرة ضربت المدونين .. بعد أن افتقدناها لمدة طويلة ..أحسنت عزيزتي
    لك التحية والتقدير :)

    ردحذف
  9. ولكن يبقى الأمل ، تحياتي لقلمك المبدع الرائع .

    ردحذف
  10. ما أقسى الشعور بالاغتراب، إحساس قاتل بالطبع
    لكنه ولد تدوينة مميزة رغم قساوتها

    سلامي لك

    ردحذف