الجمعة، 24 ديسمبر 2010

ما لم يكن في الحسبان

لم يكن الموسر ذا حظ جيد في الزواج فمنذ أن بلغ سن العشرين وهو يلاحق الزواج وفي كل مرة يجد نفسه وحيدا، إمّا أرملا أو مخلوعا، لم يكن مظلوما على الإطلاق ! فقد كان ظالما بامتياز، كان سئ الطباع، لا يعجبه العجب، يحب خلق المشاكل بدون أسباب والعيش فيها ،لكنه لا يتوب عن الزواج من الواحدة تلو الأخرى.
بعد أن توفيت أم إبنه الوحيد كان قد بلغ الخمسين سنة وقد أخذ عهدا على نفسه أن لا يتزوج مجددا إلى أن رأى منال، علم حينها أنه لم يتب بعد وأنه لن يفي بالعهد الذي أخذه على نفسه، منال كانت شابة في عمر إبنه تماما ولكنها عرجاء وتنتمي لاسرة فقيرة، الشئ الذي كان في صالحه وجعلها تقبل بالزواج به بفرح.
إستطاعت أن تكسبه إليها وتجعله يحبها نظرا لصغر سنها وجمالها اللذان غطيا عن إعاقتها الجسدية، ولأنه وجد فيها القلب الرحيم الحنون له في بداية سنوات هوانه.
غيَّر الحب من صفاته كثيرا فأصبح يميل أكثر للسلم و الهدوء وبات كلامه كالبلسم الشافي...
الحب نعمة من نعم الله، له لمسة سحرية علينا فهو يغير القلوب والعقول ويشفي الصدور ويهدئ النفوس ويبعث فيها راحة ويملؤها حبا للحياة ولكنه يتحول إلى نقمة حين يلغي دور العقل في دواخلنا ويجعلنا نستسلم للمحبوب ونسلمه زمام أمورنا ونغدوا ضعفاء ننتظر الرحمة منه بدل أن نرجوها من الرحيم... هذا ما وقع تماما لموسى حين وضعت منال إبنتها الثانية واستردت عافيتها شرعت في تنفيذ خطتها، لم يكفها قلبه الذي منحها إياه بدون نقاش ولا حبه ولا انتشاله لها من براثن الفقر، كانت ذات طموح عال فبلغت بها الجرأة للحلم المحظور، فطلبت منه بل فرضت عليه كجزاء لحبه لها أن يكتب بإسمها كل ثروته بحجة أن له إبنا ذكرا وبعد موته سيكون له النصيب الأكبر من الميراث وبعده ستعيش في الفقر مع بناتها، لم تقل لنفسها أن الأرزاق بيد الرزاق وأن من خلقها هي وبناتها أرحم بها من نفسها، كانت تريد أن تُؤَمن مستقبلها على حساب غيرها متناسية تماما أن الأعمار هي الأخرى بيد الخالق وحده وكأن ملك الموت زارها وبلغها أن زوجها سيكون سابقها إلى اللحد...
سعت لإقناعه بكل الطرق ونجحت في ذلك فعلا، دفعته بيدين باردتين لإرتكاب ما حرمه الله واستولت على غير حقها و الفرحة لا تسعها بامتلاكها لوسخ الدنيا الزائل.
لم يكن إبن الحاج موسى سوى حفَّار آبار يتنقل من بادية لأخرى لكسب قوت يومه إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان، كان منهمكا بحفر بئر ما فانزلق وسقط داخله هالكا دون حراك، مات من كان سيزاحم منال وبناتها في الثروة التي مازال صاحبها على قيد الحياة، رحل عن الدنيا تاركا همها وراءه.
مرت شهور قليلة أصيبت خلالها منال بوعكة صحية لم تفارقها إلا بأخد روحها معها، حزن الحاج موسى حزنا كبيرا لفراق زوجته التي كانت له الخليلة والحبيبة والونيسة... لدرجة أنه تمنى أن تأخذه معها إلى حيث ذهبت!
وعندما استفاق من حزنه عليها وجد نفسه محاصرا في بيته، محاطا بأخوة الفقيدة وعشيرتها، أصبح له شركاء في ماله وداره... أصبح يبحث عن نصيبه من ما قضى عمرا في بنائه...
أحس أن القدر يسخر منه لكنه نسي أنه هو من سخر من نفسه أولا وأهانها وقضى عليها بالبؤس في آخر أيامه، فلا حظن يحتويه ولا بيت يأويه ولا حتى بعض مال ينفعه ويحميه في بقايا عمر ضاع تعبه هدرا.

هناك 9 تعليقات:

  1. مؤثرة ، في الحقيقة الحياة غريبة !
    منال نموذج للمرأة التي عندما اعطيت لها الفرصة ومنحها الله من سيحبها انقلبت ضد محبوبها ، من هنا نجد ان هناك نوع من النساء في البداية يظهر كأنه ملاك ثم يتغير ل divel
    اما موسى فهو النموذج الاخر ، النموذج السيء التي تحول في النهاية الى انسان طيب ، لكن طيبوبته لن تنفعه مع الاشخاص السيئين

    القصة لها ابعاد اخرى ، تذكرني بقصة قديمة رائعة ""يداي جمدتا ،الى حلقة مقبلة واحكيها ^^""

    ردحذف
  2. هناك فئة من الناس لا تحمد الله على ما أعطاها من نعم، بل دائما تصبو إلى المزيد، كأنهم سيعيشون في هاته الدنيا إلا ما لا نهاية.. لكنهم يتناسون أن الموت لهم بالمرصاد، ولا يفرق بين صغير أو كبير..

    قصة مؤثرة بحق.. لكن تمثل الواقع للأسف..

    كنت هنا..

    ردحذف
  3. سبحان الله
    :)
    غريبة هاته الحياة :)
    ربما القصة حقيقية.. فما خفي في دنيانا أعظم بكثير
    سررت بالتواجد هنا يسرى
    سلاموو

    ردحذف
  4. سلام
    عجيبة هذه الدنيا هناك من يبحث عن الامان و هناك من يرجوا زواله
    للأسف الضمائر لا تغدو ان تترصع بالطمع الذي يعمي البصيرة و يلهي عن الدين و لا يترك للخير من مكان سوى الحسد و الحقد ..
    الله يهدي ما خلق و صافي
    و الله يرزقنا على قد نيتنا و الله يلاقينا معا ما احسن منا
    دمت بود و بوركت اناملك
    www.MRsimo.tk

    ردحذف
  5. قصة أروع من الروعة تفسها مشكوووورة أختي على المتعة التي أعطيتنا إياها 

    ردحذف
  6. قصة رائعة وإن كانت من نسج الخيال فهي تعبر عن الحياة الدنيا التي يلهت وراءها الطامعون في ملذاتها ناسين أن دوام الحال من المحال.
    مشكورة أختي يسرى :)

    ردحذف
  7. المطلوب التوازن في كل شيء، حتى في الشعور، فلا إسراف ولا تقتير..
    من الحياة تخلق التجارب، ومنها نستفيد..ولله حكمة في تصريفه

    مودتي

    ردحذف
  8. أخذ وعطاء
    توازن واعتدال
    هكذا هي الدنيا وهكذا هو الحب فيها

    ردحذف